إن هذه التمثلات وغيرها لم تكن دون أن تشهد اعتراضات من بعض الفلاسفة، فنجد نيتشه يشك في إمكانية وجود عدالة. حيث يعتقد هذا الفيلسوف أن منطق القوة وحده يؤطر السلوك البشري، فإرادة القوة تفترض هيمنة أخلاق القوة (أخلاق السادة). أما المساواة والحرية ..، فهي من شيم الضعفاء ؛ ومن الطوباوية الاعتقاد بأن العدالة يمكنها أن تؤطر العلاقات بين الأقوياء والضعفاء. فالعدالة لا تكون إلا بين الأقوياء الأنداد.
أما الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو M. Foucault ، فيعتقد أن العدالة ليست قيمة أخلاقية، لأنه يغلب عليها الطابع المؤسسي (أو المؤسساتي) : فالمجتمع يعمل من خلال مؤسسات تعمل بطريقة سلطوية، تقوم بنشر مفهوم معين للعدالة، وتسهر على احترامه وتنفيذه، ولا تطلب من الفرد إلا أن يكون خاضعا طيعا.
يلاحظ من خلال الطروحات السابقة، أن الأفكار توزعت بين من يؤمن إيمانا قطعيا بالعدالة ومن يشك في وجودها دون أن يعني ذلك أن هناك إجماع حول تمثل العدالة بصورة واحدة. ولكن ألا يحق لنا، أن نواجه من يشك في وجود العدالة كقيمة أخلاقية بالتأكيد على أن المجتمع الذي يتأسس على العدالة يضمن أكثر للإنسان إنسانيته ويحفظ له كرامته ؟ ! فمن الأفضل أن يأمل الإنسان في مثل وقيم من أن يعيش بدون مبادئ...