أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : إنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّاسَ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِمَّا أَرَادَ بِخَلْقِهِمْ وَبِهِمْ , { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ ( عَلَيْهِمْ ) { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [ وَ ] فَرَضَ [ فِيهِ ] فَرَائِضَ أَثْبَتَهَا وَأُخْرَى نَسَخَهَا , رَحْمَةً لِخَلْقِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَبِالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ . زِيَادَةً فِيمَا ابْتَدَأَهُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ , وَأَثَابَهُمْ عَلَى الِانْتِهَاءِ إلَى مَا أَثْبَتَ عَلَيْهِمْ : جَنَّتَهُ وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ فَعَمَّتْهُمْ رَحْمَتُهُ فِيمَا أَثْبَتَ وَنَسَخَ , فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ . وَأَبَانَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنْ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَأَنَّ السُّنَّةَ [ لَا نَاسِخَةً لِلْكِتَابِ ] وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ بِمِثْلِ مَا نَزَلَ نَصًّا وَمُفَسِّرَةً مَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْهُ جَمْلًا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى نَبِيِّهِ اتِّبَاعَ مَا يُوحَى إلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَبْدِيلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَفِي [ قَوْلِهِ ] : { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } بَيَانُ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ , كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ لِفَرْضِهِ فَهُوَ الْمُزِيلُ الْمُثَبِّتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ قَالَ : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قِيلَ يَمْحُو فَرْضَ مَا يَشَاءُ [ وَيُثْبِتُ فَرْضَ مَا يَشَاءُ ] وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي كِتَابِ اللَّهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } . فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ وَتَأْخِيرَ إنْزَالِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ . وَقَالَ : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قوله تعالى : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بِتَوْفِيقِهِ فِيمَا لَمْ يُنْزِلْ بِهِ كِتَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ : أَنَا الرَّبِيعُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الصَّلَاةِ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } { , فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْمَوَاقِيتَ , وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ لِوَقْتِهَا , فَحُوصِرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ , فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا , فَأَخَّرَهَا لِلْعُذْرِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : أَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } قَالَ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا , فَأَمَرَهُ , فَأَقَامَ الظُّهْرَ , فَصَلَّاهَا , فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا , كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ; ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ , فَصَلَّاهَا هَكَذَا ; ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ , فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ; ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ , فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ : { فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَبَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ [ اللَّهُ ] عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْآيَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ [ وَهِيَ ] قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَةُ
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ } الْآيَةُ . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله حَدِيثَ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ [ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ] . ثُمَّ قَالَ : وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَنَّ سُنَّةً , فَأَحْدَثَ اللَّهُ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ نَسْخَهَا أَوْ مَخْرَجًا إلَى سَعَةٍ مِنْهَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَّةً تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ بِهَا حَتَّى يَكُونُوا إنَّمَا صَارُوا مِنْ سُنَّتِهِ إلَى سُنَّتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا . قَالَ : فَنَسَخَ اللَّهُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فِي الْخَوْفِ إلَى أَنْ يُصَلُّوهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ [ فِي وَقْتِهَا ] وَنَسَخَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَّتَهُ فِي تَأْخِيرِهَا بِفَرْضِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ بِسُنَّتِهِ , فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا , كَمَا وَصَفْنَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ , عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ , فَقَالَ : إنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا , مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا } قَالَ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الْمَكْتُوبَةِ عَلَى فَرْضِهَا أَبَدًا , إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ وَالْهَرَبِ , وَمَا كَانَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ [ إلَيْهَا ] وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ فِي هَذَا أَنْ لَا تُتْرَكَ [ الصَّلَاةُ ] فِي وَقْتِهَا كَيْفَ مَا أَمْكَنَتْ الْمُصَلِّي .