إن الانتقال من علم الكلام إلى الفلسفة، يغير من طبيعة الإشكالية، حيث يقع تجاوز إشكالية القدر (الجبر والاختيار) إلى إشكالية الفاعل والجوهر. فما هي العلاقة بين الفاعل والجوهر ؟ إن مفهوم الجوهر يفيد اصطلاحا كل جسم بسيط غير متعين، لذا كان أهم ما نوقش في هذا الإطار : إشكالية خلق العالم. فكيف خلق الله العالم ؟ ومم خلقه ؟
فالمتكلمة ذهبوا إلى القول بالخلق من عدم حتى يكون الله هو الفاعل التام للكون، حيث خلقه بمادته وصورته ؛ وفي ذلك إثبات للقدرة والإرادة الإلهتين المطلقتين. والقول بالخلق من جوهر سابق هو خروج عن العقيدة (في نظرهم). هكذا تكون نظرية الخلق من عدم وحدها هي التي تفيد حدوث العالم وتؤكد الفعل الإلهي.
أما الفلاسفة فيرون أن العدم لا يعطي الوجود ؛ لأن العدم يعني الاستحالة : فشيء معدوم، يعني أنه مستحيل الوجود؛ والوجود لابد أن يكون من وجود سابق يتضمنه بالقوة. هكذا يمر كل وجود من مرحلتين : مرحلة الوجود بالقوة ثم مرحلة الوجود بالفعل. فكل وجود يتضمن بالقوة وجودا آخر هو ماسيؤول إليه إذا ما تحول. لذا يرى الفلاسفة أن نظرية الخلق من عدم نظرية كلامية باطلة، لأنهم يؤمنون بالمقدمة العقلية التالية : "لاشيء من لاشيء". هكذا نجد ابن رشد يرى أن الخلق كان من جوهر سابق وهو وجود هيولي (نسبة إلى الهيولى) تحول إلى العالم. فحين نقرأ النص الديني، فإننا نجد فيه آيات قرآنية تذهب إلى ذلك. ومن ثمة يكون العالم قديما (أزليا) في مادته، محدثا في صورته.
أما الفارابي وابن سينا فقد قالا بنظرية الفيض والصدور. بمعنى أن الله تأمل في ذاته منذ الأزل فكان الفيض والصدور. والعالم باعتباره إحدى الفيوضات، فإن وجوده كان وجودا اضطراريا من الله. ويستفاد من ذلك أيضا، أن العالم أزلي تبعا لأزلية مصدر الفيض (الله). هكذا يكون الله، في الفلسفة الإسلامية، هو السبب الفاعل للعالم. لكن ما هي نوعية العلاقة السببية بين الله والعالم؟