من أبرز القضايا التي عالجها الفلاسفة إشكالية القدر التي تمكن ترجمتها من خلال الأسئلة التالية : هل تستند الأفعال للإنسان على سبيل الحقيقة أم على سبيل المجاز ؟ هل الإنسان مخير أم مجبر ؟
لقد تنوعت مواقف المتكلمين حسب أهدافهم العقائدية والسياسية. ففرقة الجبرية تعتقد أن الفعل يسند للإنسان على سبيل المجاز، وذلك بدافع تنزيه الله من التشبيه. فالإنسان مجبر في أفعاله ؛ ولو قلنا إنه مخير لأفاد ذلك أنه خالق أفعاله، ولتعدد الخالقون (الله والإنسان). فالصفات في نظر الجبرية تتنوع إلى صفات إلهية وبشرية ؛ وصفة الخلق صفة إلهية، فلا يجوز قولها أو مطابقتها على الإنسان.
أما المعتزلة، فيرون خلاف ذلك ؛ حيث يعتقدون أن الإنسان مخير في أفعاله، لأن الله تعالى منزه عن الظلم والشر. يقول تعالى : "وما ربك بظلام للعبيد". فإسناد الفعل الإنساني لله معناه أن الإنسان غير مسؤول عن أفعاله، ولكان التواب والعقاب سفه وتناقض. فكيف يصح أن يجازى الإنسان وهو غير مسؤول عن أفعاله ؟!! ومن ثمة كان الأحرى القول بأن الإنسان مخير.
لقد ارتأت فرقة الأشاعرة أن الجبرية والمعتزلة غالوا في مواقفهم تلك، فأراد الأشاعرة لأنفسهم أن يقفوا موقفا وسطا في مسألة الجبر والاختيار فقالوا بنظرية الكسب. وهي نظرية تفيد أن الأفعال تسند لله خلقا وللإنسان كسبا. فالإنسان يختار بإرادته الفعل الذي ينوي القيام به خيرا كان أو شرا، والله يهبه القدرة والاستطاعة على إتيانه. وهكذا يكون الإنسان مخيرا في إرادته، وتابعا في قدرته للمشيئة الإلهية.
وجدير بالذكر القول بأن المتكلمة انقسموا في تلك المسألة إلى فرق كلامية عقلية، وأخرى نقلية. أما المتكلمة العقليين فإنهم إذا توصلوا إلى نتائج أولوا النص الديني إلى ما يتفق مع تمثلاتهم اعتقادا منهم أن الأسبقية يجب أن تعطى للعقل على النقل. أما الفرق الكلامية النقلية (كالأشاعرة مثلا)، فإنها ترى أن القضايا تنقسم إلى أمور توقيفية وأخرى توفيقية. والتوقيفية هي القضايا الميتافزيقية التي لا يستطيع العقل أن يأتيها، ومن ثمة يجب أن تعطى فيها الأسبقية للنقل على العقل